http://arabynet.com/article.asp?did=113610.EN
حل للمستعمرات وللاجئين من خلال الدولة الواحدة
إن إخلاء المستعمرات سيخلق لسكانها مشاكل لا حد لها، حيث الكثير منهم انتقلوا إلى هذه المستعمرات بقناعة تامة أن هذه الأرض هي ملك لهم…
سامي الذيب
إن إخلاء المستعمرات في الضفة الغربية وقطاع غزة سوف يخلق لسكان هذه المستعمرات مشاكل لا حد لها. فكثير منهم انتقلوا إلى هذه المستعمرات بقناعة تامة أن هذه الأرض هي ملك لهم، وأن لا فرق بين تل أبيب وأية مستعمرة إسرائيلية أقيمت بعد حرب 1967. وحرمانهم من بيوتهم بعد أن عاشوا أو ولدوا فيها يعتبرونه خيانة من قِبل حكومتهم بعد أن كانت قد شجعتهم على الاستيطان وزرعت فيهم الشعور بالانتماء لتلك الأرض. وهناك من سيرفضون الإخلاء مستعملين السلاح ضد حكومتهم. ولا شك أن إخلاءهم سوف يعرض إسرائيل إلى حرب أهلية سيذهب ضحيتها أبرياء كثيرون.
ونفس الشعور نجده عند اللاجئين الفلسطينيين الذين تحاول كل المشاريع الحالية حرمانهم من أرضهم التي عاشوا فيها قرونا وطردوا منها لا لذنب إلا لأنهم غير يهود. وقد أفشلوا وسوف يفشلون كل المشاريع التي لا تأخذ بالاعتبار حقهم بالعودة لديارهم. وهم يعتبرون تلك الأرض حق لهم. وقد زرعوا ذلك الشعور الوطني والديني عند أبنائهم وأحفادهم. وهم يعبرون عن تمسكهم بأرضهم بكل الوسائل المتاحة لديهم، حتى بالموت من خلال العمليات الانتحارية التي يذهب ضحيتها أبرياء كثيرون.
هذا الشعور المشترك عند اليهودي والفلسطيني بالانتماء لتلك الأرض قاد المنطقة إلى حروب كثيرة خلفت الآلاف من القتلى والجرحى من الجانبين. وكل من الشعبين يعتمد على موالين له خارج المنطقة، وعنده مقدرة على حشد التأييد السياسي والاقتصادي والعسكري والديني لصالحه، مما جعل للصراع بين الشعبين صبغة دولية أدت إلى انتشار العنف والتعصب الديني على المستوى العالمي أكثر مما حدث في أي صراع آخر في العالم. فما حدث في نيويورك وفي مدريد من انفجارات، وما يحدث اليوم في العراق وما قد يحدث في غيره من الدول له صلة مباشرة بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني. والأخطر من كل ذلك أن الخوف جعل الإسرائيليين يصنعون القنابل الذرية التي أخذت نتائجها الوخيمة تظهر تدريجياً داخل إسرائيل ذاتها حيث زادت حالات السرطان بسبب تلوث الطبيعة. ولا أحد يشك في أن اليأس من قبل الفلسطينيين سوف يجبرهم على اللجوء إلى وسائل قتالية غير تقليدية.
هذه التطورات الخطيرة سوف ينتج عنها انتشار الأوبئة وفناء الأخضر واليابس وقتل المذنب والبريء. وسوف تصبح المنطقة خالية خاوية لعدة قرون لا يمكن لبشر أو حيوان أو نبات العيش فيها. ومن ينجو منها سوف يرحل عنها إلى أبد الآبدين. وسوف يتكرر فيها ما حدث في سدوم وعمورة التي تتكلم عنها الكتب المقدسة فتصبح عبرة للعابرين.
ما المخرج من هذا المستقبل المظلم؟ هل هناك حل يمكن أن يعطي لكل من الإسرائيلي والفلسطيني الشعور بأن الأرض هي ملك له وأن لا أحد يريد أن يحرمه منها وأنه بدلاً من التسابق على الفناء هناك سبيل للتسابق على البقاء؟ هل هناك حل يمكن أن يجعل المنطقة عبرة للخير بدلاً من أن تكون عبرة للشر؟ هل هناك حل يجعل من الشعبين منار للغير وليس حجر عثرة؟
نعم هناك حل وحيد لا غير. وهذا الحل يتمحور في إقامة دولة ديمقراطية واحدة ما بين البحر والنهر. دولة تعترف للجميع بحقوق وواجبات متساوية مهما كانت ديانتهم مع حق الإقامة حيثما يريد. دولة تعترف للاجئ بحق العودة إلى دياره وللمستعمر بحق البقاء في مستوطنته، ولكل من الإسرائيلي والفلسطيني أن يعتبر الأرض كلها له. فيتعاون كل من الشعبين على البر والتقوى بدلاً من التعاون على الشر والعدوان. فيزيلوا من بينهما جدار العار الذي بناه شارون ويخلوا المنطقة من أسلحة الدمار ويجعلوا من سيوفهم محاريث ورماحهم مناجل، كما جاء في سفر النبي أشعيا (2 : 4).
يا أيها الحكماء من بني إسرائيل وفلسطين تعالوا نتحاور ونتشاور ونتجاوز عما حدث. مهما كانت سوابقكم وسوابقنا. فالتوبة خير من الإثم، والرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل. فاليوم هو يوم رحمة للجميع. لا تجعلوا الشمس تغيب على غضبكم. كل ما جرى يمكن حله في أقل من ساعتين. لماذا كل هذه الآلام وكل هذا التعنت والجبروت؟ هل هناك ضرورة لكل هذه الشرور والمجازر؟ هذا حل يشرف الجميع وينهي الصراع ويوقف شلال الدم بيننا وبينكم ويجفف دموع اليتامى والأرامل. فهل من سامع وهل من مجيب؟
* كاتب المقال، دكتور سامي الذيب، هو رئيس الجمعية لدولة ديمقراطية واحدة في فلسطين/إسرائيل في لوزان سويسرا.
No comments yet.