اقدم لكم هنا مقابلة اجريتها بتاريخ 8 سبتمبر 1977 في مبنى الأهرام في القاهرة مع المفكر العظيم الدكتور حسين فوزي (1900-1988). وسوف اقدم لكم مقابلات اخرى لاحقا.
بعد ان عرضت عليه موضوع رسالة الدكتوراه علق قائلا
حسين فوزي: نحن امام مصيبة. لا اعرف إلى اين يتجه البلد. أول مرة التقيت مع القذافي هنا في مبنى الأهرام قلت له: « لا افهم كيف يمكن لدولة في نهاية القرن العشرين ان تقول أن لها دين. فهل رأيت دولة تحج وتصلي أو تذهب للسماء أو للجحيم؟ الدولة هيئة ادراية. إن شيوخ الأزهر آفة على المجتمع. عندنا هنا الرئيس السادات رجل ذكي جدا ولكنهم رابطينه. الشعب طيب ويستطيع ان يدبر الأمور، والمشكلة تكمن في شيوخ الأزهر الضائعين
سامي الذيب: لقد طرحت في رسالة الدكتوراه الوضع القانوني للغير المسلمين، فالإسلام لا يعترف بالزواج بين مسيحي ومسلمة ولا بالميراث مع اختلاف الديانة ويسن على قتل المرتد
حسين فوزي: عليك ان تلاحظ شيء. هناك العادات من جهة ونص القرآن من جهة أخرى. فأنا مثلا لا يمكنني ان اترك الخبز على الأرض رغم انه ليس من الدين، بل من العادة. وقد تزوجت مع فرنسية من عائلة نورماندية عريقة وخلفت منها ثلاثة اولاد واعطيتهم اسماء مسيحية لإرضاء جدتهم المسيحية. ولكن أمي لم تكن راضية من ذلك بينما كنت على تفاهم تام مع زوجتي. اعرف اقباط متزوجين مع مسلمات مصريات، ومسلمين متزوجين مع قبطيات. وحتى ان كان هناك حب، فالأمور لا تسير كما يرام. لماذا؟ بسبب العادات. يمكن ان تتخطى الدين، ولكن لا يمكنك ان تتخطى العادات. هناك مناطق حيث الأقباط والمسلمون اخوة ويقدمون التعازي لبعضهم البعض، ولكن هناك مناطق حيث الأقباط والمسلمون اعداء بصورة خطيرة. يجب تغيير العقليات
سامي الذيب: هناك في الواقع سؤال فلسفي اطرحه واود رأيك فيه. اذا قال لي شخص بأن الله قال، أجيبه: « على فرض ان الله قال، فهل قاله إلى الأبد؟ هل لم يغير رايه؟ » ما رأيك؟
حسين فوزي: هذا فعلا ما يجب ان يقال. خذ السعودية. هذا بلد متخلف ويمكنها ان تقطع يد السارق. أما نحن في مصر، فقد اتصلنا بالغرب منذ أكثر من قرن ونصف، ولا يمكننا ان نقطع اليد. هناك من يقول بذلك، ولكن لا اعتقد ذلك. هل تتصور مصر تقطع يد السارق؟ هذه مصيبة، ومستحيل تحقيقه
سامي الذيب: كنت في اجتماع مع البابا شنودة الذي يأخذ الأمور على محمل الجد. لا يمكن قطع اليد لاسباب اقتصادية. بينما حد الردة فهذا شيء آخر. هناك قرابة 4000 مسلم يرتدون عن دينهم سنويا. فالدولة هي التي اصبحت متعصبة
حسين فوزي: هذا صحيح. لي صديق قبطي كلمني عن كل ذلك. لقد كلمني عن كنائس يتم مهاجمتها. من الممكن ان تسمح ببناء كنائس، ولكن هناك المتعصبون الذين لا يسمحون بذلك أو يبنوا جامع بقربها أو يقوموا بهدمها. الأمور تتجه نحو الأسوأ في هذا المجال
**سامي الذيب: قال البابا شنودة: « يا حكومة، انت بيدك الإعلام، لماذا تقسمي البلد؟ لماذا هذه الطائفية؟ نحن دائما اوفياء لمصر وليس لدينا جماعة تكفير وهجرة أو اخوان مسلمين »
**حسين فوزي: تعرف من هم جماعة التكفير والهجرة؟ هم مثل شيخ الأزهر عبد الحليم محمود ولكن اكثر جنونا منه، فهم يحملون نفس الأفكار. اخاف اذا ما استمر الوضع كما هو عليه أن نتجه نحو انتفاض الأقباط وحرب أهلية، وعندها سوف يتم ذبح السبع ملايين قبطي. يوجد عندنا تعصب كبير وانا متخوف من ذلك
سامي الذيب: هل تظن ان السعودية وراء ذلك؟
حسين فوزي: نحن بحاجة للمال. والسعودية تدفع. لا اظن انها تقول بضرورة تطبيق الشريعة الإسلامية، بصورة صريحة، ولكنها تقول للسادات « خلي عندك ذوق »، والجماعات الإسلامية تدفع في هذا الإتجاه. عندنا « مرعي » الذي يحاول ان يتحايل، والسادات كذلك، أما نواب مجلس الشعب فهم أغبياء وأخاف أن يصلوا إلى هدفهم. مصيبتنا الكبرى هي ثورة 1952 التي اعاقت مسيرتنا نحو الليبرالية. صحيح ان الملك كان يلعب، ولكن اليوم الكل يلعب. العيب ليس في السادات، فهو رجل طيب، ولكن في الشيوخ والجماعات الإسلامية الذين يسعون لهذا الهدف. فهؤلاء الشيوخ وتلك الجماعات يقولون بأننا كلنا كفار ومصيرنا الجحيم. تكلمت يوما مع شيخ وقلت له: « أنا لا اصوم ولا أصلي من عمر 17 سنة، بينما كنت اصوم واصلي بين عمر 7 و 17 السنة. وبعد ذلك تعلمت ووسع فكري ». أجابني بأني كافر، ولكني لست كافرا. فأنا ما زلت مسلما وهذه الشهادة وليس له علي شيء.
كل شيء يسير إلى الأمام، إلا بلاد الإسلام. لقد زرت جميع البلاد الإسلامية. الإسلام دين التخلف. المصلحون البوذيون اخرجوا بلادهم من الورطة، بينما هنا نحن دائما متمسكون بالنص الديني. وأشخاص مثل مصطفى محمود، إما أنهم لا يفكرون أو انهم لا يعرفون ما يدور في العالم. لقد رأيت الهند. كانت العادة ان تحرق المرأة مع زوجها المتوفي، ولكن تدريجيا تم التخلي عن هذه العادة. فبدأوا بطلب اذنها ولكن الشعب ضغط عليها. ثم طلبوا ان تعطي اذنها امام القاضي، بعيدا عن الناس. وهكذا انتهت العادة. هنا كل شيء يسير إلى الأسوأ.
لا أظن انه يمكن البرهنة على وجود الله علميا. دعونا نتركه على جنب. اعتقد ان العلم في بدايته، ولا احد يدري ما سوف نكتشف غدا. كنت اقول لطلبتي: لا تكلموني عن الله، فإرادة الله هي مجموعة قوانين الطبيعة. لقد قال الله في التوراة انه عمل ستة ايام ثم استراح إلى ما لا نهاية، والأنبياء الذين ادعوا ان الله ارسلهم كذابون ما دام ان الله في العطلة. وربما لم يخلق الله البشر. كل شيء نتج منه بذاته دون تدخل الله
سامي الذيب: اذن الأمور كما اقول: « الله لا يعمل شيء، فهل رأيتم الله يحمل زفت ورمل ويصلح مطبات القاهرة؟ ولذلك لا داع للصلاة له لكي يعمل لسعادتنا ». لقد وضع الله كل شيء في طنجرة ورماها. وفي آخر الزمان يفتحها ليحكم على محتواها
حسين فوزي: نعم الأمور هي كذلك
سامي الذيب: اذا انت ترى أن الله لم يرسل الأنبياء وأنهم كذبة، فلماذا انت لا تقول للناس ذلك حتى نرتاح من الحركات الإسلامية التي تلعب بالشعب؟
حسين فوزي: لو اقول للناس ذلك فسوف يقتلوني
سامي الذيب: ولكن ما العمل للخروج من مشكلة القوانين الإسلامية التي تروج لها الحركات الإسلامية؟
حسين فوزي: اعتقد بأنه لا يمكن كسرها، ولكن يمكن التحايل عليها. وعلينا ان نحل المشكلة السياسية. فأصدقاء مصر هم اعداؤها، أعني بذلك الدول العربية والإسلامية. يمكننا ان نخلص من مشكلة اسرائيل في 24 ساعة، المشكلة في الفسلطينين ذاتهم. فهم ليسوا جديون. يحبون النزول في الفنادق الفاخرة والتنقل دون نهاية. لقد عشنا بصورة حسنة مع اليهود في مصر. اذكر عندما كنت في باريس لرؤية الأوركسترا الإسرائيلية. لقد احاط بي اصدقائي اليهود السابقون وتأثرت كثيرا بذلك. اريد أن تكون مصر دولة محايدة مثل النمسا
سامي الذيب: انا شخصيا اقترح الحل الفدرالي السويسري بين اليهود والفلسطينيين… زواج عقل بينهما.
حسين فوزي: اعتقد ان هذا الحل صالح. لي استاذ صديق في لوزان اسمه ريبين، ويعلم العلوم السياسية. طلبت منه ان يقترح هذا الموضوع على احد طلبته … وقد تنتقل الفكرة إلى غيره ثم تصل إلى بلادنا
سامي الذيب: هل تظن انه علي ان اقول الحقيقة؟
حسين فوزي: ان قلت الحقيقة فسوف تجد نفسك امام مشاكل. قد لا تتمكن من الرجوع لبلدك فلسطين، ولكن لا يهم. عليك ان أن تقول كل شيء. كن علمي.
سامي الذيب: لقد فكرت مرة أن اقول في رسالة الدكتوراه وبصورة غير مباشرة أن الوحي لعب اولاد صغار، فأنا لا أؤمن بالوحي
حسين فوزي: أظن انه يمكنك ان تقول ذلك، ولكن بصورة غير مباشرة. اترك القارئ يشك أو يحزر فكرك. ولكن لا تقل الأمور بصورة مباشرة. فإذا كان بإمكان القارئ أن يفتح الباب، لماذا تفتحه له أنت؟ اريد ان اخبرك ما حدث معي. لقد تغذيت يوما مع شيخ وقلت له بأن النبي يونس لم يقضي ثلاث ايام في بطن الحوت. ربما سقط من السفينة واخذه الحوت في فمه فرماه لأنه لم يتمكن من بلعه. فالحوت لا يمكنه ان يمرر الرجل من حلقه. فالحوت لا يمكن ان يبلع إلا السمك المتوسط الحجم. وبعد تلك الحادثة قام الملاحون بتضخيم القصة. فقال الشيخ: « وهل رأيت كل انواع الحيتان في العالم وفي التاريخ؟ فربما كان في التاريخ حيتان تسع بيوت كبيرة أو مدن ». وأمام هذا المنطق الغبي لم استطع إلا أن اقول له: « الحق معك سيدي الشيخ ». تصور بطن حوت فيه شوارع والنبي يونس قاعد مع الشيشة ويحشش. رأيك أيه في هذا المنطق؟ كان يمكن ان اقول له كل ذلك وأن قصة النبي يونس اسطورة لا أؤمن بها. ولكن هو يفهم ذلك دون ان اقوله له. فهو يحزر فكري. وهذا يكفي. ليس علي أن اذهب ابعد من ذلك. فلا حاجة للجدل مع أناس مثل أولئك. هل تظن انه من الممكن ان تتغلب على هذا المنطق الأعوج؟ بالطبع هذا مستحيل
النبي د. سامي الذيب
مدير مركز القانون العربي والإسلامي https://www.sami-aldeeb.com
طبعتي العربية وترجمتي الفرنسية والإنكليزية والإيطالية للقرآن بالتسلسل التاريخي وكتابي الأخطاء اللغوية في القرآن وكتبي الأخرى: https://sami-aldeeb.com/livres-books
يمكنكم التبرع لدعم ابحاثي https://www.paypal.me/aldeeb
https://www.patreon.com/samialdeeb
Comments are closed.