صلب المسيح وقيامته من خلال آيات القرآن الكريم
حمل النص الأصلي بالألوان
https://www.sami-aldeeb.com/files/fetch.php?id=292&action=.pdf
مقدمة
إنّ محاولتنا، المتواضعة، هذه، هي إعطاء تفسير مختلف، عن تفسير المسلمين التقليدي، لآيات الشبه الشهيرة حين صلب اليهود والرومان المسيح، من خلال قراءة مسيحية للآيات القرآنية الكريمة. إنّ هذا المفهوم سيزيد التقرّب بين المسلمين والمسيحيين، وهذا ما يرضيه، سبحانه وتعالى، أن يعيش جميع عباده في سلام ومحبّة متبادلة، والله وليّ بالتوفيق. سنسير في محاولتا هذه عبر ثلاث اتجاهات:
1 التفسير الإسلامي التقليدي لآيات القرآن الكريم، والاستعانة بالقواميس العربية الشهيرة، ومختلف مصادر لغات قديمة أخرى كالسرياني واليوناني والعبري…
2 المعنى من خلال مجمل آيات القرآن الكريم، أي نشرح الكلمة من خلال ورودها، في القرآن، مرّات عديدة، وليس في الآية المنوي شرحها فقط.
3 التفسير الجديد المبني على نصوص التوراة والإنجيل، ومفكّري وشرّاح المسيحيّة ما قبل الإسلام.
ولتوضيح عملنا، قسمنا البحث الى أربعة فصول:
نحدد في الفصل الاول مفهومية الصلب عموما
وفي الفصل الثاني نشرح الآيات التي تتكلم عن موت ووفاة المسيح
وفي الثالث نشرح الآيات التي تتكلم بطريقة غير مباشرة عن موت المسيح مصلوبا
وفي الفصل الرابع نعرض التفسير الجديد لآيات الشبه.
الفصل الأوّل: مفهوميّة الصليب
أوّلاً: معنى كلمة الصليب
شرح معنى الصليب
1 الشرّاح المسلمون
اللغة: الصلب الشدّ على الخشبة وغيرها وأصله من صلابة الشيء[1]. والصَّليب الذي يتخذه النصارى على ذلك الشَّكْل[2]. والصَّليبُ: الوَدَكُ[3]. وثوب مُصَلَّبٌ، إذا كان عليه نقشُ صَليب[4].
2 جذور الكلمة
لا خلاف اليوم على كلمة الصلب والصليب ومعروف شكله. وكلمة صليب كاسم، أو فعل صلب، مشتق أو قريب جدًّا من السريانيّة: ألَب : صْلَبْ = صَلَب، أليٍب : صْلِيبْ = صَلِيب. تركيبة الأحرف نفسها إنّما بتغيير الحركات.
والصليب وهو آلة عذاب مكوّنة من خشبة عاموديّة قطعت بلوحة خشبيّة أفقيّة[5]، ويسمّر عليها من يريدون إعدامه. وهذه الطريقة كانت متّبعة بكثرة عند الرومان.
والفعل اللاتيني، لغة الرومان، Crucifigo = صَلَبَ، تعني حرفيا: figo= ثُبّت، Cruci= الصليب، أي ثُبِّت على الصليب. والثبات يكون بشكل جذري بتسمير اليدين والرجلين، أو أقلّه، بربط اليدين والرجلين بالحبال لتثبيت من يريدون إعدامه.
وفي اليونانية: Stauros = ستافروس= صليب أي بمعنى ثابت، ومثبّت على الأرض. وفعل Stauroô= ستافروو= صَلَب = وضع على الصليب.
وهذه الكلمة، أيضا، انتقلت إلى اللغة العربيّة، ولا تزال معروفة إلى اليوم، ما هو الصليب، وما معنى الصلب. من خلال صلب وصليب السيّد المسيح.
ثانيًا: الصليب في القرآن الكريم
ترد كلمة الصلب بمعنى العذاب والاعدام 5 مرات في القرآن الكريم:
1 عن السيد المسيح: َمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ[6]
2 وعن جزاء الذين يفسدون في الأرض: أَن يُقَتَّلُوۤاْ أَوْ يُصَلَّبُوۤاْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم[7]
3 وما قال فرعون، لـما رأى من خذلان الله إيّاه وغلبة موسى[8] علـيه السلام وقهره له[9]: لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ ثُمَّ لأُصَلِّبَنَّكُمْ[10] أَجْمَعِينَ[11] فِي جُذُوعِ ٱلنَّخْل[12]
4 ومع يوسف في تفسير الحلم لخادمي فرعون: يٰصَاحِبَيِ ٱلسِّجْنِ أَمَّآ أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً وَأَمَّا ٱلآخَرُ فَيُصْلَبُ[13] فَتَأْكُلُ ٱلطَّيْرُ مِن رَّأْسِهِ[14]
وكل هذه دلائل على بيئة القرآن المسيحيّة. فما غير المسيحيّين يستعمل كلمة صليب أو صلب للتعبير عن الألم والعذاب، وكلّنا يعلم المثل اللبناني الدارج: أنت صليبي، أي أنت سبب ألم وعذاب لي. إذا بما أنّ القرآن الكريم استعمل كلمة صلب للتعبير عن العذاب للمفسدين في الأرض أو لسحرة فرعون، يعني أنّ هذه التعابير هي محض مسيحيّة. ويوسف عندما فسّر الحلم لخادمي فرعون: إنّ فرعون سيصلب أحدهم هو تعبير محض مسيحي. فكتاب التوراة، حيث رويت القصّة، يذكر أنّ رئيس الخبازين سيُعلَّق: וְתָלָ֥ה (اتلاه= يعلقك) على خشبة. עֵ֑ץ (عيتص = شجرة أو خشبة) لكن لم يذكر الصلب، فالصلب لم يكن معروفا بعد. لذا هذا دليل أنّ جذور المسلمين الأوائل هي مسيحيّة، فكانوا يقرأون كتاب أعمال الرسل حيث يستعمل كلمة عُلِّق على خشبة[15] بدل من صُلِب. ويسمعون الترنيمة: المسيح عُلِّق أو رُفِع على خشبة حسب الصلوات السريانية، وحسب الترانيم البيزنطية والتي ترنمها، حاليًّا، فيروز: اليوم عُلِّق على خشبة، ما هي الا للتعبير عن حدث صَلْب المسيح. لذلك تبنّى القرآن الكريم كلمة صلب بدل التعليق على خشبة، ليفهم سامعيه المعنى المقصود. وبالنتيجة بيئة القرآن كانت تعرف الصليب جيّدًا.
ثالثًا: الصليب في المصادر الإسلاميّة
في حديث عائشة: أَنّ النبي، صلعم، كان إِذا رَأَى التَّصْلِـيبَ[16] في ثَوْب قَطَع مَوْضِـعَ التَّصْلِـيبِ منه. ونَهَى عن الصلاة في الثوب الـمُصَلَّبِ[17]. وفي حديث عائشة أَيضاً: فَناوَلْـتُها عِطافاً فرَأَتْ فيه تَصْلِـيباً[18]، فقالت: نَحِّيه عَنّي. وفي حديث أُم سلمة: أَنها كانت تَكرَه الثيابَ الـمُصَلَّبةَ. وكان النبي، صلعم ، أيضا، يَنْهَى عن الصَّلْبُ في الصلاة، أَي وضع اليدين بشكل صليب، إذ أنّه يُشْبِه الصَّلْبَ[19].
وفي أحاديث أخرى كان الصليب مقبولا: فعائشة قبلت الثوب المصلّب مرّة: كان قرام[20] لعائشة سترت به جانب بيتها فقال النبي صلعم: « أميطي[21] عنّا قرامك هذا فإنّه لا تزال تصاويره تعرض في صلاتي »[22] وفي حديث جرير: رأَيتُ على الحسنِ ثوباً مُصَلَّباً[23].
لكن في أحاديث أخرى، ساوى الرسول، صلعم، الصليب بالصنم: ففي حديث عدي بن حاتم: قدمت على النبي صلعم وفى عنقي صليب من ذهب فقال: ألقِ عنك هذا الوثن: الصنم[24]. لا بل جعل تكريم الصليب من الكبائر: قال عبد : وينهي عن الظلم والعدوان، وعن الزنا، وعن الخمر، وعن عبادة الحجر والوثن والصليب[25].
وما يرويه الطبري عن مجيء المسيح الثاني على لسان النبي صلعم لافت للنظر: « الأنْبِـيَاءُ إخْوَةٌ لعَلاَّتٍ، أمَّهاتُهُمْ شَتَّـى، وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ، وَأنا أَوْلَـى النَّاسِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَـمَ، لأنَّهُ لَـمْ يَكُنْ بَـيْنِـي وَبَـيْنَهُ نَبِـيٌّ، وَإِنَّهُ خَـلِـيفَتِـي علـى أُمَّتِـي، وإِنَّهُ نَازِلٌ فَـإِذَا رَأيْتُـمُوهُ فَـاعْرِفُوهُ، يَدُقُّ الصَّلِـيبَ، وَيَقْتُلُ الـخِنْزِيرَ، وَيُفِـيضُ الـمَالُ، وَيُقَاتِلُ النَّاسَ علـى الإسْلاَمِ حتـى يُهْلِكَ اللَّهُ فِـي زَمَانِهِ الـمِلَلَ كُلَّها، وَيُهْلِكَ اللَّهُ فِـي زَمَانِهِ مَسِيح الضَّلاَلَةِ الكَذَّابَ الدَّجَّالَ[26]
« وَتَقَعُ فِـي الأرْضِ الأمَنَةُ حتـى تَرْتَعَ الأسُودُ مَعَ الإبِلِ، وَالنَّـمْرُ مَعَ البَقَرِ، وَالذّئابُ مَعَ الغَنَـمِ، وَتَلْعَبُ الغِلْـمَانُ بـالـحَيَّاتِ، لاَ يَضُرُّ بَعْضُهُمْ بَعْضاً »[27]
استعمل الطبري كلمة يدقّ الصليب. معنى يدقّ = يُكسِّر أو يُحطِّم، ومعنى آخر ممكنا أيضا: يغرز ويثبت في الارض، دقّ الوتد أي غرزه وثبّته. فيصبح المعنى: يغرز الصليب، أي يرفعه ليصبح علامة منيرة. لكن أتى بعده من بدّل كلمة يدقّ بـ يَكْسِر، فانقلب المعنى[28].
كلّ هذه الشواهد، سلبيّة كانت أو إيجابيّة، تدلّ على انتشار الصليب في بيت رسول المسلمين نفسه، وحتّى عادات الصلب في الصلاة، التي يستعملها الرهبان، كانت معروفة.
الفصل الثاني: آيات القرآن الكريم حول موت ووفاة وقيامة المسيح
أوّلاً: سورة مريم
وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (مريم\33)
1 تفسير أهل العلم في الإسلام
اللغة: السلام مصدر سلمت والسلام جمع سلامة. والسلام اسم من أسماء الله تعالى. وسلام ممّا يبتدأ به في النكرة، لأنّه اسم يكثر استعماله. يقال سلام عليك، والسلام عليك. وأسماء الاجناس يكثر الابتداء بها، وفائدة نكرتها قريب من فائدة معرفتها. تقول لبيك، وخير بين يديك، وإن شئت قلت، والخير بين يديك، إلاَّ أنّه لمّا جرى ذكر سلام، قبل هذا الموضع، بغير ألف ولام كان الأحسن أن يرد ثانية بالألف واللام[29].
« والسَّلامُ عَلـيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أمُوتُ ويَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا » يقول: والأمنة من الله علـيّ من الشيطان وجنده يوم ولدت أن ينالوا منـّي ما ينالون مـمّن يولد عند الولادة، من الطعن فـيه، ويوم أموت، من هول الـمطلع، ويوم أبعث حيّا يوم القـيامة أن ينالنـي الفزع الذي ينال الناس بـمعاينتهم أهوال ذلك الـيوم »[30]
« والسلام عليَّ » أي والسلامة عليّ من الله « يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حياً » أي في هذه الأحوال الثلاث: سلامة وأمن له يوم وُلد من عبث الشيطان به وإغوائه إيّاه ويوم يموت من بلاء الدنيا ومن عذاب القبر ويوم يبعث حيّاً من هول المطلع وعذاب النار. وفي هذه الآيات دلالة على أنّه يجوز أن يصف الإنسان نفسه بصفات المدح إذا أراد تعريفها إلى غيره لا على وجه الافتخار. قيل: ولمّا كلَّمهم عيسى (ع) بهذا علموا براءة مريم ثم سكت عيسى (ع) فلم يتكلم بعد ذلك حتى بلغ المدة التي يتكلم فيها الصبيان »[31].
وقرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما « يوم ولدَتْ » بتاء التأنيث وإسناد الفعل إلى مريم والدته[32].
2 المعنى من خلال القرآن الكريم
وردت كلمة السلام أكثر من مئة مرّة في القرآن الكريم، ولكنّ التعبير: السلام عليّ، أو سلام على، أو سلام عليهم، التي وردت ثلاث عشرة مرّة، كلّها بمعنى التهنئة والتطويب. ولنعرض الآيات تباعا لنصل إلى تعبير المسيح عن نفسه: « سلام عليّ يوم ولدتُ ويوم أموتُ ويوم أبعثُ حيّا »
« وَإِذَا جَآءَكَ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَٰمٌ عَلَيْكُمْ[33] كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ ٱلرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوۤءًا بِجَهَٰلَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ »[34]
« جنات عدن يدخلونها… وَالـمَلائِكَةُ يَدْخُـلُونَ عَلَـيْهم مِنْ كُلّ بـابٍ سَلاَمٌ عَلَيْكُم[35] بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَىٰ ٱلدَّارِ »[36]
« وَسَلاَمٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ[37] وَيَوْمَ يَمُوتُ[38] وَيَوْمَ يُبْعَثُ[39] حَياً »[40]
« قَالَ سَلاَمٌ عَلَيْكَ[41] سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّيۤ إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً »[42]
« الله يقول لموسى وهارون ليذهبا الى فرعون: فَأْتِيَاهُ فَقُولاۤ إِنَّا رَسُولاَ رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ وَلاَ تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكَ وَٱلسَّلاَمُ عَلَىٰ[43] مَنِ ٱتَّبَعَ ٱلْهُدَىٰ »[44]
« قُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلاَمٌ عَلَىٰ عِبَادِهِ[45] ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَىٰ ءَآللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ »[46]
« وَإِذَا سَمِعُواْ ٱللَّغْوَ أَعْرَضُواْ عَنْهُ وَقَالُواْ لَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ[47] لاَ نَبْتَغِي ٱلْجَاهِلِينَ »[48]
سَلاَمٌ عَلَىٰ[49] إِبْرَاهِيمَ[50] سَلاَمٌ عَلَىٰ[51] مُوسَىٰ وَهَارُونَ[52] سَلاَمٌ عَلَىٰ[53] إِلْ يَاسِينَ[54] وَسَلاَمٌ عَلَىٰ[55] ٱلْمُرْسَلِينَ[56]
وَسِيقَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ إِلَى ٱلّجَنَّةِ زُمَراً حَتَّىٰ إِذَا جَآءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلاَمٌ عَلَيْكُـمْ[57] طِبْتُمْ فَٱدْخُلُوهَا خَالِدِينَ[58]
إذا، حسب المعنى القرآن، السلام عليّ= طوبى لي، هنيئا لي. ومن هذا المنطلق سنفسِّر هذه الآية الكريمة.
3 الشرح الجديد
وَالسَّلَامُ عَلَيَّ (مريم\33)
هذا ما يقابلها في الإنجيل للتعبير عن الفرح: « أَرسَلَ اللهُ الـمَلاكَ جِبرائيلَ إِلى مَدينَةٍ في الجَليلِ اسْمُها النَّاصِرَة، إِلى عَذْراءَ مَخْطوبَةٍ لِرَجُلٍ مِن بَيتِ داودَ اسمُهُ يوسُف، وَاسمُ العَذْراءِ مَريَم. فدَخَلَ إلَيها فَقال: « إفَرحي، أَيَّتُها الـمُمتَلِئَةُ نِعْمَةً، الرَّبُّ مَعَكِ »[59]. هذا الفرح رافق المسيح في كلّ أطوار حياته وبعد قيامته
يَوْمَ وُلِدتُّ (مريم\33)
كان المسيح سبب فرح بميلاده للرعاة الفقراء: « وكانَ في تِلكَ النَّاحِيَةِ رُعاةٌ يَبيتونَ في البَرِّيَّة، يَتناوَبونَ السَّهَرَ في اللَّيلِ على رَعِيَّتِهم. فحَضَرَهم مَلاكُ الرَّبِّ وأَشرَقَ مَجدُ الرَّبِّ حَولَهم، فخافوا خَوفاً شَديداً. فقالَ لَهمُ الـمَلاك: « لا تَخافوا، ها إِنِّي أُبَشِّرُكُم بِفَرحٍ عَظيمٍ يَكونُ فَرحَ الشَّعبِ كُلِّه: وُلِدَ لَكُمُ اليَومَ مُخَلِّصٌ في مَدينَةِ داود، وهو الـمَسيحُ الرَّبّ. وإِلَيكُم هذِهِ العَلامة: سَتَجِدونَ طِفلاً مُقَمَّطاً مُضجَعاً في مِذوَد ». وانضَمَّ إِلى الـمَلاكِ بَغَتةً جُمهورُ الجُندِ السَّماوِيِّينَ يُسَبِّحونَ الله فيَقولون: « الـمَجدُ للهِ في العُلى ! والسَّلامُ في الأَرضِ لِلنَّاسِ فإنَّهم أَهْلُ رِضاه ! » فَلَمَّا انصَرَفَ الـمَلائِكَةُ عَنهُم إِلى السَّماءِ، قالَ الرُّعاةُ بَعضُهُم لِبَعض: « هَلُمَّ بِنا إِلى بَيتَ لَحم، فَنَرَى ما حَدَثَ، ذاكَ الَّذي أَخبَرَنا بِه الرَّبّ ». وجاؤوا مُسرعين، فوَجَدوا مريمَ ويوسُفَ والطِّفلَ مُضجَعاً في الـمِذوَد. ولَـمَّا رَأَوا ذلكَ جعَلوا يُخبِرونَ بِما قيلَ لَهم في ذلك الطِّفْل. فَجَميعُ الَّذين سَمِعوا الرُّعاةَ تَعَجَّبوا مِمَّا قالوا لَهم وكانَت مَريمُ تَحفَظُ جَميعَ هذهِ الأُمور، وتَتَأَمَّلُها في قَلبِها. ورَجَعَ الرُّعاةُ وهم يُمَجِّدونَ الله ويُسَبِّحونَه على كُلِّ ما سَمِعوا ورَأَوا كَما قيلَ لَهم »[60].
وميلاد المسيح، أيضًا، كان غبطة للملوك المجوس: « والمجوس لمَّا سَمِعوا كَلامَ الَمِلكِ ذَهَبوا. وإِذا الَّنجْمُ الَّذي رأَوهُ في المَشرِقِ يَتَقَدَّمُهم حتَّى بَلَغَ المَكانَ الَّذي فيه الطِّفلُ فوَقفَ فَوقَه. 10فلمَّا أَبصَروا النَّجْمَ فَرِحوا فَرحاً عَظيماً جِدّاً. وَدخَلوا الَبيتَ فرأَوا الطِّفلَ مع أُمِّه مَريم. فجَثَوا له ساجِدين، ثُمَّ فتَحوا حَقائِبَهم وأَهْدَوا إِليه ذَهباً وبَخوراً ومُرّاً »[61].
وَيَوْمَ أَمُوتُ (مريم\33)
لنبدأ بشرح كلمة موت بحسب القواميس العربية: « الميم والواو والتاء أصلٌ صحيح يدلُّ على ذَهاب القُوّة من الشيء. منه المَوْتُ: خلاف الحياة. وإنما قلنا أصلُه ذَهاب القُوّة »[62] « الموتُ: ضدُّ الحياة »[63].
ولنكمل بشرح مفهوم الموت في القرآن الكريم
وردت كلمة الموت، أو فعل مات، بالماضي والمضارع والأمر، أو كصفة للإنسان، أو الحيوان المائت، 148 في القرآن الكريم، منها 147 مرّة بمعنى الموت المعروف، أي فقدان الحياة والنهاية.
133 مرة تتكلم عن الموت مباشرة[64] وعلى سبيل المثال: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِٱللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَٰتاً فَأَحْيَٰكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ[65]
وترد14 مرة بمعنى قحط الارض أو جفافها فتحيا بعد المطر[66] وعلى سبيل المثال: وَٱللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ ٱلْسَّمَآءِ مَآءً فَأَحْيَا بِهِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَآ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ[67]
ومرة واحدة عن تواصل الطبيعة باعتبار أنّ البزرة هي ميتة
إِنَّ ٱللَّهَ فَالِقُ ٱلْحَبِّ وَٱلنَّوَىٰ يُخْرِجُ ٱلْحَيَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ ٱلْمَيِّتِ مِنَ ٱلْحَيِّ ذٰلِكُمُ ٱللَّهُ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ[68]
نستنتج إذا: كلمة موت في القرآن، هي المعنى نفسه الذي نفهمه نحن اليوم عن الموت، فهي نهاية الحياة. وبالرغم من كآبة الموت فالمسيح أيضا كان، بموته سبب فرح وسلام.
أراد المسيح أن يتّخذ طبيعتنا المعرّضة للموت لكي يحرّرنا من سلطان الموت. حقاً اضطرب أمام الموت[69]، وابتهل إلى الآب القادر على إنقاذه منه[70]، لكنه قبل هذه الكأس المرّة[71]. طاعة لله أبيه[72] حتّى الموت »[73]. وعلى الرغم من أن بيلاطس لم يجد فيه ما يستوجب حكم الموت[74]، فلقد قبل أن يتّخذ موته صورة العقاب الذي تستوجبها الشريعة[75]. ذلك لأنّه بحكم أنّه « ولد تحت الشريعة »[76]، وأنّه أخذ جسداً يشبه جسدنا الخاطئ[77]، فقد صار متضامناً مع شعبه، ومع كلّ الجنس البشري، و « جعله الله خطيئة من أجلنا « [78]، فوضع عليه القصاص الذي استوجبته الخطيئة البشريّة. لذا، عندما مات، أبطل كلّ سلطان الخطيئة[79]، رغم براءته، وأخذ على عاتقه حتّى النهاية أوضاع الخطأة » ذائقاً الموت! مثلهم جميعاً[80]، ونازلاً على غرارهم » إلى الجحيم « . ولكن بذهابه هذا عند الموتى، حمل لهم هذه البشرى السارة ألا وهي إعادة الحياة إليهم[81] اذا موت المسيح مثل حبّة الحنطة الملقاة في الأرض[82]. وإن بدا في الظاهر كعقاب للخطيئة، إلا أنه كان في الحقيقة ذبيحة تكفيريّة[83] فبموته، فدى المسيح الشعب اليهودي[84] وجميع الناس »[85]. إذا مات من « أجلنا »[86]، نحن الخطأة[87]، معطياً لنا بذلك أعظم علامة للمحبّة[88]. فليس معناه أنّه يموت بدلاً منّا، وإنّما لصالحنا، لأنّه إذ يموت « من أجل خطايانا »[89] وليصالحنا مع الله[90] ويؤهلنا لقبول الميراث الموعود[91]
وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (مريم\33)
والفرح الكبيرله ولجميع المؤمنين به عندما بعث من القبر، وهذا الشرح المسيحي: لقد انتصر المسيح على الموت عندما كان يعيد الحياة للموتى[92] وفي ملكوت الله الذي أنشأه، حيث كان الموت يتقهقر أمام من كان » القيامة والحياة »[93]. وأخيراً واجهه في عقر داره وانتصر عليه في اللحظة التي كان يبدو الموت فيها أنه قد هزمه. ونزل إلى الجحيم بكلّ سلطان. ليُخرج منه من شاء، إذ « بيده مفتاح الموت والجحيم »[94] ولأنه ذاق ألم الموت كله الله بالمجد[95]. وحققت هذه القيامة » من الأموات ما كانت الكتب المقدّسة تنبأت عنها[96]، وأصبح « البكر بين الأموات »[97] وبالفعل عينه أبطلت قوة إبليس المتسلّط على الموت[98]. ختاماً، في آخر الأيّام، سيبرز انتصاره الباهر عند القيامة العامّة. عندئذٍ سوف يبيد الموت إلى الأبد، إذ قد ابتلع الظفر الموت[99]. وسوف يرد الموت والجحيم فرائسهما. بعدها، سيلقيان مع إبليس في بركة النار والكبريت، هذا هو الموت الثاني[100]
ثانيا: سورة آل عمران
إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ (آل عمران \55)
إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ (آل عمران \55)
هذا ما يقابله في الإنجيل: فصاحَ يسوعُ بِأَعلى صَوتِه قال: « يا أَبَتِ، في يَدَيكَ أَجعَلُ رُوحي! قالَ هذا ولَفَظَ الرُّوح »[101].
لنبدأ بشرح كلمة وفاة من خلال القرآن الكريم.
لقد جمعت الآيات الكريمة التي ترد فيها كلمة وفاة لتوضيح كلمة وفاة وضبط معناها: أَعْبُدُ ٱللَّهَ ٱلَّذِي[102] يَتَوَفَّى ٱلأَنفُسَ حِينَ مَوْتِـهَا[103] بواسطة رُسُله[104] فهو خَلَقَكُمْ[105] وَمِنكُمْ مَّن يُتَوَفَّىٰ[106] ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ[107] والطَيِّبِينَ يدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ[108] رَبَّنَآ تَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ[109] وَأَلْحِقْنِي بِٱلصَّالِحِينَ[110] ٱلأَبْرَارِ[111]
والبعض:إِذَا تَوَفَّتْهُمُ ٱلْمَلاَئِكَةُ[112] بمَّا كَسَبوا[113] ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ[114] يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ[115] ومَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ[116] امّا النساء الخاطئات: فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي ٱلْبُيُوتِ حَتَّىٰ يَتَوَفَّاهُنَّ ٱلْمَوْتُ[117] اذا هذه الايات الكريمة، وعددها عشرون، تثبت انّ كلمة وفاة في القرآن تعني الموت. لكن آية واحدة، تشبّه النوم بالموت: الله ٱلَّذِي يَتَوَفَّٰكُم بِٱلَّيلِ[118]. وذلك حسب المثل القائل: النائم مثل المائت. ولكن على هذا الأساس، فقط، اعتمد المفسّرون المسلمون ليشرحوا الآيتين الكريمتين عن المسيح، كونه لم يمت، لكن الله أنامه ورفعه اليه. إِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَىٰ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوكَ فَوْقَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ[119] مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ[120]
وَرَافِعُكَ
لهذه الكلمة معان عديدة
ففي القرآن الكريم انفرد المسيح بالرفع حيّا إلى السماء إو الى الله[121].
في انجيل يوحنا ترد هذه الكلمة 3 مرات وفي المرات الثلاث تعني معانٍ ثلاث في الوقت عينه: الرفع على الصليب، الرفع من القبر أي القيامة، والرفع إلى السماء، أي الصعود.
1 « وكما رَفَعَ مُوسى الحَيَّةَ في البَرِّيَّة فكذلِكَ يَجِبُ أَن يُرفَعَ ابنُ الإِنسان 15لِتَكونَ بهِ الحَياةُ الأَبديَّةُ لِكُلِّ مَن يُؤمِن بي[122].
2 « فقالَ لَهم يسوع: « متى رَفَعتُمُ ابْنَ الإِنسان عَرَفتُم أَنِّي أَنا هو وأَنِّي لا أَعمَلُ شَيئاً مِن عِندي بل أَقولُ ما علَّمَني الآب »[123].
3 « وأَنا إِذا رُفِعتُ مِنَ الأَرض جَذَبتُ إِلَيَّ النَّاسَ أَجمَعين. وقالَ ذلك مُشيراً إِلى المِيتَةِ الَّتي سَيَموتُها »[124].
بالنتيجة رافعك: أي رافعك من القبر ورافعك الى السماء
إِلَيَّ (55/آل عمران)
أي إلى الله، لأنّ الله هو المتكلّم. وهذا ما ورد عن المسيح نفسه في إنجيل يوحنّا: « قبلَ عيدِ الفِصح، كانَ يسوعُ يَعَلمُ بِأَن قد أَتَت ساعَةُ انتِقالِه عن هذا العالَمِ إِلى أَبيه، وكانَ قد أَحَبَّ خاصَّتَه الَّذينَ في العالَم، فَبَلَغَ بِه الحُبُّ لَهم إِلى أَقْصى حُدودِه »[125].
وَمُطَهِّرُكَ (55/آل عمران)
لغة: مطهرّك تعني مُكرّسك أو مُقدّسك[126] وبهذا المعنى وردت في الإنجيل:
أَجابَهم يسوع: « أَلَم يُكتَبْ في شَريعتِكم: قُلتُ إِنَّكُم آلِهَة؟ فإِذا كانَتِ الشَّريعَةُ تَدعو آلِهَةً مَن أُلْقِيَت إِلَيهِم كَلِمَةُ الله – ولا يُنسَخُ الكِتاب – فكَيفَ تَقولونَ لِلَّذي قَدَّسَه الآبُ وأَرسَلَه إِلى العالَم: أَنتَ تُجَدِّف، لأَنِّي قُلتُ إِنِّي ابنُ الله؟ إِذا كُنتُ لا أَعمَلُ أَعمالَ أَبي فَلا تُصَدِّقوني »[127].
مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ (55/آل عمران)
الكفر، لغة، يعني عدم الإيمان. والذين كفروا أي الغير المؤمنين بالمسيح وهم اليهود[128]
وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ (55/آل عمران)
هذه الآية الكريمة تطابق ما جاء في إنجيل متّى عن أنّ الرسل، أتباع المسيح، سيجلسون على كرسي القضاء، ويحكمون الشعب اليهوديّ يوم القيامة.
فقالَ لَه بُطرس: « ها قد تَرَكْنا نَحنُ كُلَّ شيءٍ وتَبِعناك، فماذا يكونُ مَصيرُنا ؟ » فقالَ لهم يسوع: « الحَقَّ أَقولُ لكم: أَنتُم الَّذينَ تَبِعوني، متى جلَسَ ابنُ الإِنسانِ على عَرشِ مَجدِه (يوم القيامة) عِندما يُجَدَّدُ كُلُّ شَيء، تَجلِسونَ أَنتم أَيضاً على اثنَي عَشَرَ عَرْشاً، لِتَدينوا أَسباطَ إِسرائيلَ الاثَنيْ عَشَر »[129].
اختلاف المسلمون في التفسير
« إِنَّ عِيسَى لَـمْ يَـمُتْ، وَإِنَّهُ رَاجِعٌ إِلَـيْكُمْ قَبْلَ يَوْمِ القِـيامَةِ » الآية كلّها، قال: رفعه الله إلـيه، فهو عنده فـي السماء.
« وقال آخرون: معنى ذلك: إنـّي متوفّـيك وفـاة موت: إنّـي مـميتك. توفـّى الله عيسى ابن مريـم ثلاث ساعات من النهار حتـى رفعه إلـيه »[130]. « وأماته الله ثلاث ساعات »[131] « والنصارى يزعمون أنه توفّـاه سبع ساعات من النهار، ثم أحياه الله »[132].
ثالثا: سورة المائدة
« مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ »[133]
مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ (117/المائدة)
وهذا ما يقابله في الإنجيل: قالَ لَهم يسوع: « طَعامي أَن أَعمَلَ بِمَشيئَةِ الَّذي أَرسَلَني وأَن أُتِمَّ عَمَلَه »[134]. « أَنا لا أَستَطيعُ أَن أَفعَلَ شَيئاً مِن عِندي بل أَحكُمُ على ما أَسمَع وحُكمي عادِل لأَنِّي لا أَتَوَخَّى مَشيئَتي بل مَشيئَةَ الَّذي أَرسَلَني »[135]. « إِنِّي قد مَجَّدتُكَ في الأَرض فأَتمَمتُ العَمَلَ الَّذي وَكَلتَ إِلَيَّ أَن أَعمَلَه »[136]
أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ (المائدة /117)
وهذا ما يقابله في الإنجيل: ثُمَّ مَضى بِه إِبليسُ إِلى جَبَلٍ عالٍ جدّاً وأَراهُ جَميعَ مَمالِكِ الدُّنيا ومَجدَها، وقالَ له: « أُعطيكَ هذا كُلَّه إِن جَثوتَ لي سـاجداً ». فقالَ له يسوع: « اِذهَبْ، يا شَيطان! لأَنَّه مَكتوب: لِلرَّبِّ إِلهِكَ تَسجُد وايَّاهُ وَحدَه تَعبُد »[137].
رَبِّي وَرَبَّكُمْ (المائدة \117)
وهذا ما يقابله في الإنجيل: فقالَ يسوع لمريم المجدلية: « لا تُمسِكيني، إِنِّي لم أَصعَدْ بَعدُ إِلى أَبي، بلِ اذَهبي إِلى إِخوَتي، فقولي لَهم إِنِّي صاعِدٌ إِلى أَبي وأَبيكُم، وإِلهي وإِلهِكُم »[138].
وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا (المائدة \117)
أي كنت لاجلهم شاهدا وأوصلت لهم تعاليمك
وهذا ما يقابله في الإنجيل: « أَظهَرتُ اسمَكَ لِلنَّاسِ الَّذينَ وَهَبتَهُم لي مِن بَينِ العالَم. وقَد حَفِظوا كَلِمَتَكَ وعَرفوا الآنَ أَنَّ الكلامَ الَّذي بَلَّغَتنيه بَلَّغتُهم إِيَّاه فقَبِلوه. »[139].
مَّا دُمْتُ فِيهِمْ (المائدة \117)
وهذا ما يقابله في الإنجيل: « لَمَّا كُنتُ معَهم حَفِظتُهم بِاسمِكَ الَّذي وَهَبتَه لي وسَهِرتُ فلَم يَهلِكْ مِنهُم أَحَدٌ إِلاَّ ابنُ الهَلاك فتَمَّ ما كُتِب »[140].
فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي[141] كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ (المائدة \117)
وهذا ما يقابله في الإنجيل: لَستُ بَعدَ اليَومِ في العالَم وَأَمَّا هُم فلا يَزالونَ في العالَم وأَنا ذاهِبٌ إِليكَ. يا أَبَتِ القُدُّوس اِحفَظْهم بِاسمِكَ الَّذي وَهَبتَه لي[142].
وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (المائدة \117)
هذه الآية الكريمة من أجمل الآيات التي تتكلّم عن المسيح. فهي تقرب إلى حدّ بعيد صلاة يسوع الكهنوتيّة في إنجيل يوحنّا، الفصل 17، ولو مختصرة، لكنّها تحوي نقاط مهمّة من الصلاة.
الفصل الثالث: الآيات الكريمة التي تتكلّم عن صلب المسيح
اولا: سورة الطارق
حسب ما تبيّن لنا، إنّ سورة الطارق هي من أهمّ السور التي تتكلّم عن المسيح دون ان تُسمّيه: فالمسيح هو الطارق[143]، وهو النجم الثاقب[144]، وهو من يعرف خفايا النفس ويحفظها[145]، ويحميها ويحفظها[146] لذلك على الانسان أن ينظر ممّا خلق، أي من الماء الدافق من جنب المسيح على الصليب[147]، ليعرف ما هو الثمن الذي دُفع عنه ليُخلق أو يولد ثانية.
وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ[148] (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ[149] (2) النَّجْمُ[150] الثَّاقِبُ[151] (3) إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ[152] (4) فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ[153] (6) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ[154] وَالتَّرَائِبِ[155] (7) إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ[156] (توبته) لَقَادِرٌ (8) يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ[157] (9) فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ[158] (10) وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ[159] (11) وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ[160] (12) إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ (13) وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ (14) إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا[161] (15) وَأَكِيدُ كَيْدًا[162] (16) فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا (17)
ما يهمّنا في بحثنا هذا: الآيات 5-7. فهي تتكلّم بوضوح عن صلب المسيح، وطعن جنبه بحربة إذ فاض الماء من بين الظهر (الصلب) والصدر (الترائب)، أي الجنب[163].
فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (6) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ (7)
لنبدأ بشرح:
ماء دَافِقٍ (الطارق\6)
كلمة دافق تعني غزارة وقوة جريان المياه! مما يعني قوة جريان نبع أو بالأحرى نهر! وهذا ما تغنّى به آباء الكنيسة وانتقلت إلى الصلوات الليتورجيّة.
ففي الليتورجيّة البيزنطية يا يسوع الحياة التي ترتلها فيروز: المسيح الحياة حين ذاق الممات اعتق الناس من الموت ولقد منح الحياة للجميع. فاض من جنبك كمن نبع واحد جدول مضاعف منه نستقي مثمر لنا الحياة الخالدة.
وفي الليتورجيّة المارونيّة التي ترتلها جوقة الكسليك المأخوذة عن الليتورجيّة المارونيّة القديمة: حُبّه (المسيح) دم يهرق قلبه ماء يدفُق.
والقدّيس أفرام السريانيّ (+373) في اناشيد الدنح يوضح أيضا: تفجر نبع ماء، شاف ويعطي الحياة، من جنب المسيح. شرب منه المرضى فبرئوا.[164]
والبابا بنديكتس السادس عشر في كتابه يسوع الناصري من دخوله أورشليم إلى القيامة يشرح هذا الموضوع: رأى آباء الكنيسة في خروج الدم والماء أنّه رمز الأسرار الأساسيّة وهما القربان المقدّس والعماد. والجدولين هما تيّار جديد خلق الكنيسة وتجدّد الإنسان.[165]
ولنكمل:
يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ (الطارق\7)
إن لهذه الآية الكريمة تفسيرين:
1-اذا اتبعنا تفسير الشرّاح المسلمين تصبح بين الصلب والترائب: الجنب، أي جنب المسيح من حيث فاض ودفق الماء والدم![166]
2- إذا قرأنا بين الصَلب (بفتح الصاد كما يبان في إحدى القراءات للقرآن الكريم) فتصبح صلب المسيح
والترائب: جمع تربة أي قبور! مثل خربة تجمع خرب وخرائب! وتربة تجمع ترب وترائب!
فتصبح بين الصلب والدفن! وهذا النصّ موجود حرفيّا عند كيريلوس الأورشليمي:
« بعد ذلك كنتم منقادين باليد إلى الجرن المقدّس، جرن العماد الالهي، كما اقتيد المسيح من الصليب إلى القبر الذي هو أمامكم ». [167]
وهذا هو الوقت الذي طعن جنب المسيح بالحربة كان قد مات وقبل دفنه بدقائق. وهذا ما يشرحه آباء الكنيسة: يشبّهون المسيح، آدم الجديد، النائم على الصليب، لأنّ الجند رأوه مات[168] عند فتح جنبه بحربة[169] ولدت الكنيسة! يشبه آدم الذي ألقى الله عليه سباتا ومن ضلعه ولدت حوّاء.[170]
وهذا ما يشرحه يوحنّا فم الذهب (+415):
وخرج من جنبه ماء ودم. قلت أنّ هذا الماء وهذا الدم كانا رمزا للعماد والاسرار. فمن هذين السرّين قد وُجدت الكنيسة بواسطة « غسل الميلاد الثاني والتجديد بالروح القدس » بواسطة المعموديّة، والأسرار. فإنّ آية العماد والأسرار قد خرجت من جنبه. إذا فالمسيح قد صاغ الكنيسة كما صاغ حواء من جنب آدم. لذلك فإنّ موسى، عندما « يخبرنا عن الانسان الأوّل، يجعله يتكلّم عن « العظم من عظامي ولحم من لحمي »، وهو يريد أن يشير لنا إلى جنب الرب. وكما أنّ الله قد انتزع من جنب آدم لكي يصوّر المرأة، كذلك المسيح أعطانا من جنبه الدم والماء لكي يصوّر الكنيسة. وكما أنّ الاقتطاع قد تمّ في وقت انخطاف آدم في النوم، هكذا الآن قد أعطانا الدم والماء بعد موته. فكان الموت كما كان الانخطاف، لكي تتعلّم أنّ الموت منذ الآن وصاعدا لم يعد إلاّ رقادا.
« لقد رأيتم كيف اتحد المسيح بعروسه؟ لقد رأيتم بأي طعام هو يغذينا جميعا فبالطعام نفسه قد صُوّرنا وقد غُذّينا. وكما أنّ المرأة تغذّي بدمها وبحليبها من ولدته، كذلك أيضا المسيح يُغذّي بصورة دائمة من قد ولدهم »[171]
ثانيا: سورة البقرة
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ (87/البقرة)
تردّد هذه الآية الكريمة كلام المسيح مع الكتبة والفريسيين، في إنجيل متّى، حين وجّه لهم الويلات:
« الوَيلُ لَكم أَيُّها الكَتَبةُ والفِرِّيسيُّونَ المُراؤون، فإِنَّكم تَبنونَ قُبورَ الأَنبِياء وتُزَيِّنونَ ضَرائحَ الصِّدِّيقين وتقولون: لو عِشْنا في أَيَّامِ آبائِنا، لما شارَكناهُم في دَمِ الأَنبِياء. فَأَنتُم تَشهَدونَ على أَنفُسِكم بِأَنَّكم أَبناءُ قَتَلَةِ الأَنبِياء. فاملأُوا أَنتُم مِكيالَ آبائِكُم. أَيُّها الحَيَّاتُ أَولادُ الأفاعي، كَيفَ لَكم أَن تَهرُبوا مِن عِقابِ جَهَنَّم؟ مِنْ أَجْلِ ذلك هاءَنَذا أُرسِلُ إِلَيْكُم أَنبِياءَ وحُكَماءَ وكَتَبَة، فَبَعضَهم تَقتُلونَ وتصلِبون، وبَعضَهم في مَجامِعِكم تَجلِدون ومن مَدينَةٍ إِلى مَدينَةٍ تُطارِدون »[172].
النتيجة قائمة في موقف اليهود من الأنبياء والمسيح. فقد كذَّبوا موسى والياس، وقتلوا أشعيا وإرميا والمسيح.
ثالثا: سورة الصافات
تتكلم، ضمنا، هذه السورة عن موت المسيح الفادي، الذي حرَّر اسحق من الذبح، وذُبِح عنه. فلنعرض ونشرح
فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (101) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102) فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (106)
هنا بعد عرض الآيات التي تسبق فداء المسيح لاسحق، نبدأ بشرح آية الفداء:
وَفَدَيْنَاهُ (الصافات/ 107)
فدى: دال في أصله على طعام كالتمر والشعير ونحوهما، وحين احتاج الناس إلى ما يبادلون به أسراهم الذين يقعون في أيدي أعدائهم، ظهرت لفظة الفداء والمفاداة والافتداء[173]، وهنا أن يعطي أهل الأسير مالاً أو ما يقوم بمقامه، لإعادة الأسير إلى اهله. وهو نوع من التضحية بالمال. ومن هنا جاء الفداء بمعنى التضحية، منتقلا من المال إلى النفس. فأنت تقول فديته بنفسي كأنّك ضحيت من أجله.
وجاء بهذه المعاني في التنزيل العزيز: فمعنى الافتداء بالمال وما إليه ملحوظ في آيات عديدة منها وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ[174]؛ وإن جاؤوكم أسارى تفادوهم[175] ومعنى افتداء النفس بالنفس: يودّ المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه وحاحبته وأخيه[176] وجاءت الفدية أيضا دفعًا لقصور عن بعض العبادات أو تقصير فيها، كما في قوله، تعالى: على الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوّع خيرًا فهو خير له[177] وذلك في الصيام[178]
بذبح (الصافات/ 107)
وردت كلمة ذبح أو ما يعادلها 9 مرّات في القرآن: وردت بمعنى قتل 4 مرّات[179] ومرّة للذبح أمام النصب[180] ومرّتين ذبيحة أو قربان على الطريقة اليهوديّة ذبيحة كفارة عن الخطيئة[181] وأخيرا ذبيحة ابراهيم لابنه إسحق[182] يرى الشرّاح المسلمون أنّ ابراهيم قدّم ابنه إسماعيل قربانًا، كون النص لا يذكر الاسم صراحة. وربّما استندوا على الآيتين: وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ[183] وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ[184] كون إسحق لم يولد بعد. ولكن كلمة بشرناه هنا تعني مستقبل إسحق، لا عن ولادته، كونه في عداد الموتى بسبب تقدمته محرقة لله.
عظيم (الصافات/ 107)
مِنْ صِفاتِ الله عزَّ وجلَّ العلِيُّ العظيم[185] وترد في القران عشرات المرات[186] وأيضا كتاب الله القرآن عظيم[187] والنبي على خلق عظيم[188] والجنّة هي الفوز والأجر العظيم[189] ويوم الحساب في النار فهو عظيم[190] وللتعبير عن الظلم الذي مرّ به اليهود في مصر على يد فرعون[191] وموسى وهارون[192] ونوح من الطوفان[193] والشرك بالله هو ظلم عظيم[194] وحنث عظيم[195] وللتعبير عن عظمة المشهد الغير اعتيادي فسور الماء، عندما شق موسى البحر، أصبح كالجبل العظيم[196] وعرش الملكة بلقيس العظيم[197] طوله 80 ذراعا وعرضه 40 ذراعا وعلوه 30 ذراعا[198] أو للتعبير عن الافتراء القاسي ضدّ يوسف[199] وللتعبير عن عظمة سحر سحرة فرعون[200] ولمكانة قارون العظيمة أمام الله[201]
إذا، قرأنيّا، كلمة عظيم تعني آخر حدود الكبر والفخامة أو الفرح أو الحزن…
المسيح هو الذبح العظيم
لذلك نرجّح تفسير وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ[202] بأن الذبح العظيم ليس كبشا؛ فالكبش ليس أعظم الضحايا، فهناك الثور أو الجمل أعظم منه حيوانيّا. ونضيف، مهما تعلو قيمة الذبيحة الحيوانيّة، فهي ما دون الذبيحة البشريّة، وخاصّة ما دون إسحق، وحيد إبراهيم من الحرّة وموعود الله؛ لكنّ الذبح العظيم هو المسيح نفسه، وهذا ما ورد حرفيّا في نصوص الصلوات السريانيّة القديمة:
بأفرا قدم ابرؤم دنقرب ؤوا قوإبنا. باةرا دامر لؤ مرؤ بنا علةا وسدر قيًسا. فكر طليا شمط سكينا وقلا اةا لؤ من روما ؤّ كلي سكينك من طليا دبري اةا وفرق علـــــــمًا[203] وفشط أورؤ بحدوا ربا قدم سكينا. وشرا فكإوؤ دايسحق ورعي لابوؤي.[204]
وهذه الفكرة تُرجمت شعرا للصلاة بالعربية: بكَّر أبرام المأمور بالوحيد (اسحق) صوب الطور، هيّأَ السكِّين والنار والوقود لابن بار، لما هَمَّ بالغلام، (أن يذبح) نادى الله: يا أبرام، لا تؤذي ابنك الحبيب! إبني، في ملء الايام، يفديه فوق الصليب! أيّها الآبُ، أرجعتَ إسحق حيًّا للام، وابنك الحيَّ جرعتَ كأس الموت، موت الدم »[205]
وفكرة الصلاة هذه، على الارجح، مستوحاة من نص من رسالة العبرانيين: بِالإِيمانِ قَرَّبَ إِبراهيمُ إِسحق، لَمَّا امتُحِنَ. فَكانَ يُقَرِّبُ ابنَه الوَحيد، وقَد تَلقَّى المَواعِد، وكانَ قد قيلَ لَه: « بِإِسْحقَ سيَكونُ لَكَ نَسْلٌ يَحمِلُ اَسمَك ». فقَدِ اعتَقَدَ أَنَّ اللهَ قادِرٌ حتَّى على أَن يُقيمَ مِن بَينِ الأَمْوات. لِذلِك استَردَّه، وفي هذا رَمْز[206].
وقد وسَّع هذه الفكرة نفسها اوريجانوس (+256) في شرحه سفر التكوين:
« كَلَّمَ إِسحقُ إِبْراهيمَ أَباه قال: « يا أَبَتِ ». قال: « هاءَنَذا، يا بُنَيَّ ». قال: « هذه النَّارُ والحَطَب، فأَينَ الحَمَلُ لِلمُحرَقة؟ » فقالَ إِبْراهيم: « اللهُ يَرَى لِنَفْسِه الحَمَلَ لِلمُحرَقةِ، يا بُنَيَّ »[207]… أجاب ابراهيم بالمستقبل ابنه الذي يسأل عن الحاضر وهذا لأنّ الرب نفسه كان سيهتم هو بنفسه بالحمل في شخص المسيح، لأن الحكمة نفسها بنت لنفسها بيتا[208]، وهو نفسه تواضع حتى الموت؛[209]، وكل ما ستقرأه عن المسيح ستكتشف انّه صنعه بحريّة لا بقسر… يقول القديس بولس: إن الله لم يبخل بابنه الخاص بل أسلمه عنّا جميعنا. أنظر كيف أنّ الله يسابق البشر في الكرم بنوع بهيّ: إنّ ابراهيم قدّم لله ابنا قابلا للموت دون أن يلقى موتا؛ والله أسلم للموت ابنا غير قابل للموت عن الناس… قلنا أنّ اسحق كان رمزا للمسيح؛ مع ذلك هنا يبدو أنّ الحمل يرمز أيضا إلى المسيح. من المهم أن نعرف كيف أنّ المثالين، اسحق الذي لم يُذبح والحمل الذي ذُبح، ينطبقان على المسيح.
المسيح هو كلمة الله، ولكن الكلمة صار بشرا[210] وبالتالي يوجد في المسيح شيء يأتي من علُ وشيء آخر قبله من الطبيعة البشريّة ومن الحشا البتولي. إذا فالمسيح يتألّم، ولكنّ هذا في الجسد؛ لقد احتمل الموت، ولكنّ الجسد هو الذي احتمله، والحمل هنا هو رمز له. كان يوحنا يقول أيضا الشيء نفسه: هذا هو حمل الله، هذا هو الذي يمحو خطيئة العالم[211]. وبالعكس فإنّ الكلمة، الذي هو المسيح بحسب الروح، والذي يصوّره اسحق، بقي في عدم الفساد[212] لذلك فهو في الوقت عينه الذبيحة ورئيس الكهنة. فبحسب الروح، يقدّم الذبيحة لأبيه؛ بحسب الجسد، هو نفسه مقرّب على مذبح الصليب. لأنّه كما قيل عنه: هذا هو حمل الله، هذا الذي يمحو خطيئة العالم[213]، قيل ايضا عنه: أنت كاهن إلى الأبد على رتبة ملكيصادق » [214]
لقد اختبر الله إبراهيم فطلب منه أن يقدّم كذبيحةٍ ابنه اسحق، الذي كان عليه بالذات يتوقف الوعد[215]. « ولم يرفض إبراهيم تقديم ابنه وحيده »[216] لكنّ الله هو الذي حفظ اسحق، وعنى بنفسه على تدبير حمل للمحرقة[217] وسيأتي اليوم الذي يهزم فيه الموت، وحينئذ تظهر ذبيحة اسحق كمشهد له دلالته النبوية [218]
الفصل الرابع: آيات الشبه الشهيرة
وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157) بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (158) وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ (بعد الموت) يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا (159/النساء)
التفسير التقليدي
أجمع الشرّاح المسلمون، تقريبا، في شرحهم هذه الآيات الكريمة، على ان المسيح لم يمت، واعتبروا، بأكثريتهم، أنّ ذكر وفاة المسيح ما هي إلاّ نوم. لذلك ما ذُكر عن موته[219] إنّما هو بعد مجيئه الثاني، ويدفنه المسلمون بعد أن يحكم 40 عاما[220].
يستعين الطبري بالإنجيل ليشرح، على طريقته، رواية صلب المسيح:
« الـحقّ لـيكفرنّ بـي أحدكم قبل أن يصيح الديك[221] ثلاث مرّات، ولَـيبـيعِّنـي[222] أحدكم بدراهم يسيرة، ولـيأكلنّ ثمنـي فخرجوا وتفرّقوا[223]. وكانت الـيهود تطلبه[224]، فأخذوا شمعون أحد الـحواريّـين، فقالوا: هذا من أصحابه، فجحد، وقال: ما أنا بصاحبه، فتركوه. ثم أخذه آخرون، فجحد كذلك، ثم سمع صوت ديك، فبكى وأحزنه[225]. فلمّا أصبح أتى أحد الحواريّين إلى الـيهود، فقال: ما تجعلون لـي إن دللتكم على الـمسيح؟ فجعلوا له ثلاثـين درهماً، فأخذها ودلَّهم علـيه[226]، وكان شُبّه علـيهم قبل ذلك، فأخذوه فـاستوثقوا منه وربطوه[227] بـالـحبل، فجعلوا يقودونه ويقولون له: أنت كنت تـحيـي الـموتـى وتنتهر الشيطان وتبرىء الـمـجنون؟ أفلا تنـجى نفسك من هذا الـحبل؟ ويبصقون علـيه[228]، ويـلقون علـيه الشوك، حتـّى أتوا به الـخشبة التـي أرادوا أن يصلبوه علـيها[229]، فرفعه الله إلـيه، وصلبوا ما شُبّه لهم، فمكث سبعاً. ثم إن أمّه والـمرأة التـي كان يداويها عيسى فأبرأها الله من الـجنون[230] جاءتا تبكيان حيث كان الـمصلوب، فجاءهما عيسى، فقال: علام تبكيان؟ قالتا علـيك، فقال: إنـّي قد رفعنـي الله إلـيه، ولـم يصبنـي إلا خير[231]، وإن هذا شيء شُبِّه لهم، فأْمُرا الـحواريّـين أن يَـلْقَونـي إلـى مكان كذا وكذا[232] فلقوه إلـى ذلك الـمكان أحد عشر[233]، وفُقِد الذي كان بـاعه ودلّ علـيه الـيهود، فسأل عنه أصحابه، فقالوا: إنه ندم علـى ما صنع، فـاختنق وقتل نفسه[234]. ثم سألهم عن غلام يتبعهم يقال له: يُحَنَّا[235]، فقال: هو معكم فـانطلقوا[236] فإنه سيصبح كل إنسان منكم يحدّث بلغة قوم[237]، فلـينذرهم ولـيدعهم[238].
إذا سلّمنا بتفسير، إمام المفسّرين، الطبري، نلتقي مع الفرق الغنوصيّة المسيحيّة التي اعتقد بعضها إنّ المسيح إلها؛ وإذا رآوه الناس إنسانا، هذا فقط بالشكل لا بالمضمون. أي كان بالشكل إنسانا، لكن لا يحمل صفات الإنسان: كالألم، والتعب، والجوع، والعطش، والضعف، والمحدوديّة. لذا حاولوا بطرق عديدة إيجاد حلّ لمشكلة الم وصلب المسيح: فبعضهم اعتقد بأنّ: « المسيح (الاله) نزل على يسوع في عماده في الاردن وفارقه قبل استشهاده »[239]. ويقولون في ذلك أنّ يسوع عندما صُلب ارتفع المسيح عنه قبل استشهاده، والمسيح فارق يسوع ابن مريم قبل موته على الصليب »[240] إلاّ أنّ بعضهم يقول بـ « أنّ المسيح يتحوّل برضاه من صورة إلى صورة: فقد ألقى في صلبه شبهة على سمعان القيرواني[241]، سمعان بدلا عنه، فيما هو ارتفع حيّا إلى الذي أرسله، ماكرا بجميع الذين مكروا عليه، لأنّه كان غير منظور للجميع »[242] لكن هذا الشرح لا ينسجم أبدا مع المفهوم القرآني للمسيح. فالقرآن يركّز جيدا على إنسانيّة المسيح، فهو إنسان بكلّ ما للكلمة من معنى، مع أنّه ولد بمعجزة.
إذا، هذا المفهوم لشخصيّة المسيح، وخاصّة ألوهيّته المحضة، تخالف مفهوميّة شخصية المسيح في القران الكريم، حيث يعتبر المسيح، بشكل عام، نبي وإنسان يعيش بين الناس، ينام ويتعب، ويأكل ويشرب… فالمسيح بحسب نصوص القرآن الكريم، مع أنه كَلِمَة الله وَرُوحٌ مِّنْهُ[243] فهو: عَبْدُ اللَّهِ[244] وعليه بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ[245] وينكر ما نسب إليه من ألوهية[246]
وهذه أيضا بعض الأحاديث التي تركّز على إنسانيّة المسيح:
« قيل لعيسى بن مريم عليه السلام: يا رسول الله، لو اتخذت حمارا تركبه لحاجتك؟ قال: أنا أكرم على الله من أن يجعل لي شيئا يشغلني به »[247].
وكان [عيسى] سيّاحا يسيح في الارض لا يأويه بيت ولا قرية. حلته برنس شعر أو وبر الإبل، وفي يده عصا هراوة. حيث ما جنّت الليلة سراجه ضوء القمر وظله ظلمة الليل، فرشه الأرض وسادة الحجر، بقله ورياحينه عشب الأرض، وربما طوى الأيام جائعا. إذا أصابته الشدّة فرح، وإذا أصابه الرخاء حزن[248].
قال المسيح عليه الصلاة والسلام في الماء: هذا أبي، وفي الخبز: هذا أمي[249]. يريد أنهما يغذيان الأبدان كما يغذّيها الأبوان[250].
إن كنت تريد صوم ابن العذراء البتول، يعني عيسى بن مريم عليهما السلام، فإنّه كان يصوم الدهر كلّه ويأكل الشعير ويلبس الشعر الخشن، وكان حيثما أدركه الليل صفّ قدميه يصلّي حتّى يرى علامة الفجر قد طلعت، وكان لا يقوم مقاما إلاّ صلّى ركعتين فيه. وإن كنت تريد صوم أمّه، فإنّها كانت تصوم يومين وتفطر يومين[251].
روي أنّ عيسى عليه السلام مكث يناجي ربّه ستّين صباحا لم يأكل فخطر بباله الخبز فانقطع عن المناجاة فإذا رغيف موضوع بين يديه فجلس يبكي على فقد المناجاة، وإذا شيخ قد أظلّه فقال له عيسى: بارك الله فيك يا وليّ الله، ادعُ الله تعالى لي، فإنّي كنت في حالة فخطر ببالي الخبز فانقطعت عنّي. فقال الشيخ: اللهم، إن كنت تعلم أن خطر ببالي منذ عرفتك فلا تغفر لي، بل كان إذا حضر لي شيء أكلته من غير فكر وخاطر[252].
التفسير الجديد
توصلنا، بعونه تعالى، إلى شرح مقبول، إنّما بنظرة مختلفة عن التقليد وذلك بالتحليل اللغوي، وبالاستناد إلى بقيّة معاني القرآن التي تختصّ بهذا الموضوع، وبالاستناد إلى نصّ مكاريوس- سمعان المنحول.
وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157) بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (158) وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا (159/النساء)
لنبدأ بتفصيل الشروحات فقرة فقرة
وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُمْ
اضطر المفسرون المسلمون الى ادخال عناصر جديدة لتفسير النص، مثل ادخال شخص آخر مات بدلا عن المسيح، وهذا لم يذكره النص القرآني قطعا! لذلك لا يعني الشبه هنا، إنّ اليهود استشبهوا بأحد أنّه هو المسيح وصلبوه مكانه، ولكن تهيّأ لهم، أي اعتقدوا، أنّهم بقتل المسيح سينتهون منه ومن رسالته. لكن الله رفعه إليه، أي أقامه من القبر وأصعده إليه. إذا أفشل الله، سبحانه وتعالى، مخطّط اليهود الشرير ضدّ المسيح، وتابع رسالته من بعد موته وقيامته، وأسّس الكنيسة المبنيّة على صخرة شمعون زعيم الحواريين.
وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ[253] فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157)
في هذه الآية تتمّة لمّا ورد أعلاه. فاليهود اختلفوا بشخصه؛ فكانوا يروه إنسانا عاديّا كبقيّة الناس، يأكل ويشرب، ويتألّم، ويمشي ويتعب ككلّ إنسان، وبالمقابل كانت تجري المعجزات والشفاءات على يده. لذا اختلفوا في شخصه الذي حيّرهم، من أين له هذه الكرامات؟ أليس هذا النجّار ابن مريم؟[254] لذلك اعتقدوا أنّهم سينتهون منه، كما انتهوا من الأنبياء من قبله. لكنّ أملهم خاب وظنّهم كان في غير محلّه، فالله، سبحانه وتعالى، رفعه إليه أي أقامه من القبر وأصعده إليه. وقد وضعنا أدناه النصوص المقابلة النص العربيّ القديم للمخطوط والنص اليوناني ونص القرآن الكريم للتسهيل على القارئ.
بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (158) وَإِن مِّنْ[255] أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ[256] قَبْلَ مَوْتِهِ[257]
موته، هنا، تعني موت المسيح، حسب الشراح المسلمين. إذا ذكر موت المسيح هنا، بعد آية الشبه، التي فسّرها المسلمون بأنّ المسيح لم يمت، حجّة إضافيّة بأنّ تفسير الشبه هذا، يغاير المعنى العام للقرآن الكريم، عن موت المسيح، ويرجّح تفسيرنا.
وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ[258] يَكُونُ عَلَيْهِمْ[259] شَهِيدًا[260] (159/النساء)
وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ (بعد الموت)
ترد كلمة: يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ[261] في القرآن 70 مرّة وتعني بمجملها القيامة العامّة بعد الموت: حيث تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ[262] إذ الجميع يُبْعَثُونَ[263] فالَّذِينَ كَفَرُواْ وَيَسْخَرُونَ مِنَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ[264] وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ[265] لهم لَعْنَةً[266] ويُخْزِيهِمْ الله[267] ولاَ يُنصَرُونَ[268] اذ يضَعُ ٱلْمَوَازِينَ ٱلْقِسْطَ[269] ثُمَّ يُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ[270] ويَجْمَعَهمْ[271] عميانا[272] وَبُكْماً وَصُمّاً[273] ولاَ يقِيمُ لَهُمْ وَزْناً[274] ولاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ[275] لاَ يُزَكِّيهِمْ[276] ويُضَاعَفْ لَهُم عَذَابُ[277] حَرِيقِ[278] ٱلنَّارَ[279] السيء[280] الأَلِيمٌ[281] فٱلْخَاسِرِينَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ[282] وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ[283] ولَن تَنفَعَهُمْ أَرْحَامُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ[284] يَكْفُرُونَ بِشِرْكِـهمْ[285] وبَعْضهمْ بِبَعْضٍ[286] وَلَيُسْأَلُنَّ عَمَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ[287] عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ[288] فَلاَ تُخْزِنَا إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ ٱلْمِيعَادَ[289]
والله يوم القيامة، أيضا، يكون حكما بين الناس: بما يَخْتَصِمُونَ[290] فيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ[291] إذ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُواْ[292] وَكُلَّ إِنْسَانٍ يُخْرِجُ لَهُ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً[293]
هنا استعمل القرآن تعبير يوم القيامة بالمطلق، لما لقيامة المسيح من القبر أهمّيّة كبرى. فالأفضل هنا، هو يوم قيامة المسيح من بين الأموات، لا القيامة العامّة، حسب سياق النص. فيوم قيامته صار محطّة كبيرة في إيمان اتباعه، إذ انطلقوا يعيدوا ذكراه كلّ سنة وأصبح عيد القيامة، ولا يزال المسيحيّون، إلى اليوم، يحتفلون بهذا العيد، ويستعدّون له بالأصوام والصلوات. وبهذا المعنى وردت عند مكاريوس المنحول: يوم القيامة= يوم قيامة المسيح من بين الاموات[294]
يَكُونُ عَلَيْهِمْ[295] شَهِيدًا[296] (159/النساء)
أي يكون شاهدا أمامهم على أنّ الله تعالى أقامه من بين الأموات. وهذا بعض ما ورد في الأناجيل عن قيامة المسيح:
وفي مَساءِ ذلك اليَومِ[297]، يومِ الأحد، كانَ التَّلاميذُ في دارٍ أُغْلِقَتْ أَبوابُها خَوفاً مِنَ اليَهود، فجاءَ يسوعُ ووَقَفَ بَينَهم وقالَ لَهم: « السَّلامُ علَيكم! » قالَ ذلك، وأَراهم يَدَيهِ وجَنبَه ففَرِحَ التَّلاميذُ لِمُشاهَدَتِهمِ الرَّبّ[298].
وهذه المقارنة بين نص القرآن الكريم وما يوازيه من مخطوط مكاريوس-سمعان المنحول مع النص اليوناني الأساسي الذي أخذت الترجمة العربيّة عنه. وهذا النص يوضح بالأكثر معنى آية الشبه الشهيرة. وقد نقلت المقطع كاملا لتوضيح المعنى بشكل أفضل.
وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157) بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (158) وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ
وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا (159/النساء) |
2.4هكذا كان فى ايّام الرب فى ذلك الوقت. كانوا يوافون الذي يريدون يعافون[299] كانسان لابس بشر. فلمّا كانوا يقرّبون منه. كان كلمة الله الذى من داخل السماوي من حيث لا يرى بعيني الجسد يعمل الايات المعجزه العجائب. لاسيما للذين يقصدونه بايمان. ولذلك المحّال لم يكن يقلق قلقا يسيرا مسروقا[300] من بشرة[301] الرب. لان بسكوت الرب كان ذلك يقلق. لانه كان يراه من خارج انسانا مثل باقى الناس. فاذا كان يشاهد عجائب كبار تكمل به يعتريه خوف ماذا يصنع. فامّا الذى كان يبصر منه. فكان انسانا تعبا ظاميا راقدا. وامّا الكائنات[302] به [195ق] فلم تكن لانسان. 2.5لان بآلام[303] الرب الانسيّة عمي بجهالة شرّه. وظنّ الرب انسانا مثل احد الصدّيقين. فحاول قتله بالصلب بالذين في طاعته[304]. فقال اله الرب. يا محّال لم تقلق وانا ساكت ولم تضطرب. فزعم المكملات[305] بك تقلقني. وتجعل فى اضطراب رديّ. لان المشاهد منك انسان. والمكملات بك ليست لانسان. لانه خدعه بالبشرة المألومة المايتة. وبآماتته الرب. بطّل الرب جميع تمرّده وجوره. فمن اجل هذا رام المحال قتل الرب. لان الارواح الخبيثة كنَّ يلتهبن من اللاهوت السماوي الذى كان في الجسد. فكانوا يصرخون ما لنا [196و] ولك يا ابن الله قدمت قبل الوقت لتعاقبنا. المسيح الَّذي أُسلِمَ بِقضاءِ اللهِ وعِلمِه السَّابِق فقتَلتُموه إِذ علَّقتُموه على خَشَبةٍ بأَيدي الكافِرين، 24 قد أَقامَه اللهُ وأَنقَذَه مِن أَهوالِ المَوت، فما كانَ لِيَبقى رَهينَها (أعمال 2/ 23-24) ولَمَّا قالَ ذلكَ، رُفِعَ بِمَرأىً مِنهُم، ثُمَّ حَجَبَه غَمامٌ عن أَبصارِهِم. . 10وبَينَما عُيونُهم شاخِصَةٌ إِلى السَّماءِ وهُو ذاهِب، إِذا رَجُلانِ قد مَثَلا لَهم في ثيابٍ بِيضٍ 11وقالا: « أَيُّها الجَليِليُّون، ما لَكُم قائمينَ تَنظُرونَ إِلى السَّماء؟ فيسوعُ هذا الَّذي رُفِعَ عَنكُم إِلى السَّماء سَيأتي كما رَأَيتُموه ذاهبًا إِلى السَّماء ». (اعمال 1\9-11) فآمنَ بِه مِنَ الجَمْعِ خَلْقٌ كَثير وقالوا: « أَيُجري المسيحُ مِنَ الآياتِ حينَ يأتي أَكثرَ مِمَّا أَجْرى هذا الرَّجُل؟ » (يوحنا 7\31) وفي مَساءِ ذلك اليَومِ (يوم القيامة)، يومِ الأحد، كانَ التَّلاميذُ في دارٍ أُغْلِقَتْ أَبوابُها خَوفاً مِنَ اليَهود، فجاءَ يسوعُ ووَقَفَ بَينَهم وقالَ لَهم: « السَّلامُ علَيكم! » 20قالَ ذلك، وأَراهم يَدَيهِ وجَنبَه ففَرِحَ التَّلاميذُ لِمُشاهَدَتِهمِ الرَّبّ. (يوحنا 20\19-20) |
5. [f° 184v] Διὰ γὰρ τὰ ἀνθρώπινα τοῦ κυρίου πάθη τυφλωθεὶς τῇ ἀγνοίᾳ τῆς κακίας αὐτοῦ καὶ νομίσας ἄνθρωπον εἶναι τὸν κύριον ὡς ἕνα τῶν δικαίων εἰς τὴν κατ’ αὐτοῦ ἀναίρεσιν τοῦ σταυροῦ διὰ τῶν ὑπηκόων αὐτοῦ ἐπεχείρησε. Πρὸς ὃν ὁ κύριος ἔλεγεν· Ὦ διάβολε, τί ταράσσῃ ἐμοῦ ἡσυχάζοντος; Τί θορυβῆσαι (variante : θορυβεῖ σε); <Ὁ δέ·> Τὰ διὰ σοῦ, φησίν, ἐπιτελούμενα θορυβοῦσι με καὶ δεινόν μοι τάραχον ἐμποιοῦσι. Τὸ μὲν γὰρ ὁρώμενόν σου ἄνθρωπός εἶ, τὰ δὲ διὰ σοῦ γινόμενα οὐκ ἔστιν ἀνθρώπου. Διὰ γὰρ τῆς παθητῆς καὶ θνητῆς σαρκὸς δελεάσας αὐτὸν εἰς τὴν ἰδίαν αὐτοῦ ἀναίρεσιν καὶ <τὸν> θάνατον ὁ κύριος κατήργησεν αὐτοῦ τὴν πᾶσαν τυραννίδα. Διὰ τοῦτο τὴν κατὰ τοῦ κυρίου ἀναίρεσιν ὁ διάβολος ἐπεχείρησε, καὶ γὰρ τὰ πονηρὰ πνεύματα ἀπὸ τοῦ ἐν τῷ σώματι ὄντος ἐπουρανίου <πυρὸς> τῆς θεότητος κατακαιόμενα ἔκραζον· « Τί ἡμῖν καὶ σοί, υἱὲ τοῦ θεοῦ; ἦλθες πρὸ καιροῦ [f° 185] βασανίσαι ἡμᾶς; » paris, 973 |
خاتمة
إنّ هذه النصوص القرآنية الصغيرة، التي قرأتها قراءة مسيحية، تبرهن مدى علاقة الإسلام بالمسيحيّة، وفي أهمّ عقائدها أي موت المسيح مصلوبا وقيامته حيا من بين الاموات. وسننشر، إن شاء الله، مواضيع أخرى، في نفس السياق، ستكون بداية لحوار متين بين المسلمين والمسيحيّين.
وأخيرا أهدي دراستي هذه:
1 الى مريم ام المسيح التي دعتنا في مديوغوريه (البوسنة) الى محبة اخواننا المسلمين وقالت: انتم من صنعتم الاديان والتفرقة لا الله
2 الى الكنيسة التي دعت في المجمع الفاتيكاني الثاني عام 1965 الى حوار مفتوح مع اخوتنا المسلمين
3 الى البابا الحالي فرنسيس الذي، ولاول مرة في تاريخ الكنيسة، غسل وقَبَّل قدمي امرأة مسلمة في حفل غسل الارجل على مثال السيد المسيح، فاتحا لنا باب محبة شاملة تجاه اخوتنا المسلمين
4 الى الدولة اللبنانية الكريمة التي تشجعت، ولأول مرة في التاريخ، أن تجمع المسلمين والمسيحيين في عيد بشارة مريم بالمسيح ابنها ليكون عيدا وطنيا للجميع وبداية تفاهم واتحاد اسلامي مسيحي عالمي
5 الى عشرات آلاف الشبان، مسلمين ومسيحيين، الذين تجمهروا في ساحة بكركي، وقت زيارة البابا الى لبنان العام الماضي وطالبوا بالبحث في الوحدة والتفاهم بين المسلمين والمسيحيين لانهم يرغبون السلام وسئموا الحروب والبغضاء
6 الى كل مؤمن يبحث عن المحبة والسلام
7 الى القديس شربل الذي تنبأ بوحدة عالمية بين المسلمين والمسيحيين وليست بعيدة الامد
وأختم بشكر كل ساهم في هذا العمل ويساهم في نشره وقراءته. وأعتذر عن اخطاء كثيرة راودت هذا العمل، وأنا أفرح بتلقي ملحظاتكم القيمة لإصلاح أي خلل او توضيح او إضافة أي معلومة
والرجاء الاتصال على بريدي الالكتروني
الطالب دعاكم
الاب حنا اسكندر
يوم الجمعة العظيمة،
ذكرى صلب المسيح، حسب التقويم الغربي،
في 29 أذار 2013
Comments are closed.