أين الخطأ: في الإسلام أم في المسلمين؟

في حواراتي المتعددة مع مسلمين وغير مسلمين يقول لي بعضهم بأن الديانات السماوية كلها جاءت لصالح البشرية وأن الأنبياء جاؤوا لهدايتها. وإن كان هناك خطأ، فليس في الديانات أو في الأنبياء ولكن في اتباع الديانات واتباع الأنبياء وفي التطبيق.

وقد كتب لي صديق مسلم عزيز، ولا داع لذكر اسمه:

“اعرف فيك الاخلاص والنزاهة واعلم بان المسلمين قد اساءوا كثيرا للإسلام وجعلوه مبغوضا حتى بين اهله. فما بالك بمسيحي يشاهد الاضطهاد ويعانيه. لا الومك سيدي ان شتمت الاسلام والمسلمين وان كنت اتمنى ان تدعموا المسالمين منهم. فالنصوص خاصة القرآن يمكن أن تقرأ قراءة ليبرالية علمانية واضحة تدعم الحريات. اما قراءتها قراءة سلفية فهذا لسوء طويلة السلفيين الذين سيطروا على العقل العربي الاسلامي. حتى لو لم تكن تؤمن بالقرآن وتصدقه لكن يمكن اخراج خطاب منه اخلاقي علماني يدعو لحرية العقيدة. وبهذا تساعد من يؤمن به أن يكون مسالما وليبرالي التوجه. وبهذا يتخلص المسيحيون من كابوس السلفية”.

 وكتبت لي صديقة مسلمة عزيزة، ولا داع لذكر اسمها:

“بلاش تستفز الناس وأنت بتقول كلام في مصلحتهم بانك تشتم لما في مقدساتهم. ممكن تعارضها من غير حاجات زي “إبراهيم المخبول” أو “القرآن من تأليف حاخام مسطول”. ممكن توضح اللامعقول في سلوك ابراهيم وترجعه لأصله في أساطير ومعتقدات وعادات زمانه من غير ما تشتمه، وممكن توضح المصادر الإسرائيلية للقرآن من غير كلمة تأليف حاخام مسطول. مش عارفة حايعجبك رأيي ولا لأ، بس بصفتي باحثة في العلوم الاجتماعية باقول إن الطريقة دي اجدى في تغيير المجتمعات. ابدأ مع الناس بلغتهم وخذهم إلى أرض فكرك بدون استفزاز لا داعي ولا وظيفة له”.

 *********

 لنترك الديانات السماوية على حدة ولننتقل للنظم البشرية: لنفرض إني قلت (وهناك فعلا من يقول ذلك):

– بأن الخطأ ليس في الشيوعية أو الاشتراكية بل في اتباعها وتطبيقها.

– وأن الخطأ ليس في النازية، ولكن في اتباعها وتطبيقها.

– وأن الخطأ ليس في الفاشية ولكن في اتباعها وتطبيقها.

 بطبيعة الحال سوف يرفض المسلمون وغيرهم مثل هذه المقارنة. ولسان حالهم يقول: كيف تضع الشيوعية والإشتراكية والنازية والفاشية على قدم المساواة مع اليهودية والمسيحية والإسلام وتقارن بينها؟ هل انت تقارن بين ما هو سماوي من جهة وبين ما هو بشري من جهة أخرى؟ هل انت تقارن بين الأنبياء من جهة وبين ماركس وهتلر وموسوليني من جهة أخرى؟

 *********

 لنترك الانفعالات على حدة ولنتكلم بمنطق. فالنقاش في غياب المنطق لن يؤدي إلا إلى نتائج غير منطقية:

1) ليس هناك ما يسمى ديانات سماوية نازلة من السماء، وليس هناك انبياء مرسلين. فكل نظام اجتماعي إن كان منسوبا للسماء (زورا وبهتانا) أو لبشر، هو أولا وآخرا نظام من صنع البشر. والأنبياء مثلهم مثل ماركس وهتلر وموسوليني هم بشر. وكل ما هو بشري يحتمل الصواب كما يحتمل الخطأ. والقول بغير ذلك هو قمة الغباء، وكفيل بأن يقفل باب الحوار من بدايته. وإن أنت لا تقبل بهذه المقدمة، فأرجوك أن لا تقرأ الباقي.

 2) لا احد ينكر أن في اليهودية والمسيحية والإسلام هناك امور إيجابية، وأن الأنبياء جاءوا بأشياء ايجابية يمكن استغلالها لخير البشرية. ولكن في نفس الوقت لا يمكن بأي حال من الأحوال القول بأن كل ما في اليهودية والمسيحية واليهودية وكتبها المقدسة (المكدسة) وكل ما قاله ممثلوها من الأنبياء هو معصوم عن الخطأ ويصلح لكل مكان وزمان. وإن اكتفينا بالنبي ابراهيم كشخصية رئيسية في اليهودية والمسيحية والإسلام، فإن فيما ينسب اليه هناك ما هو رائع كما ان هناك ما هو في قمة الغباء. واكتفي بمثال تضحية ابنه والذي ينبع عنه تضحية ملايين الخراف كل سنة من قبل مسلمين أغبياء، وختان نفسه في عمر 99 سنة وفقا للتوراة والذي ينبع عنه ختان ملايين الأطفال الأبرياء سنويا في عائلات يهودية ومسيحية ومسلمة غبية. ولو اننا طبقنا كل ما جاء في التوراة، التي هي الكتاب المقدس لدى اليهود والمسيحية والإسلام وكل ما جاء في القرآن وعلى لسان محمد، فإننا سوف نجد انفسنا امام مجتمع غاية في الهمجية ومتصادم مع حقوق الإنسان كما نعرفها اليوم.

 3) من المؤكد بأن هناك يهود ومسيحيين ومسلمين في غاية الإنسانية والرقة والأخلاق. ولكن هناك ايضا يهود ومسيحيون ومسلمون في غاية الهمجية. وكل واحد منهم يلجأ لتبرير تصرفاته، إن كانت حميدة أو همجية، إلى نصوص مأخوذة من ديانته وكتبه المقدسة وأنبيائه. والتحول من الأخلاق الحميدة إلى الهمجية يتم في أسرع من لمح البصر. وأكتفي هنا بذكر ما كتبته جبهة النصرة بخط عريض على حائط: “من بدل دينه فاقتلوه، الله أكبر، حكم المرتد، جبهة النصرة” (انظر الصورة هنا https://www.blog.sami-aldeeb.com/?p=41295). وقد تحتجوا علي بأن جبهة النصرة تنتمي إلى حركة القاعدة الإرهابية في سوريا. وهذا الاحتجاج مرفوض لأننا نجد نفس هذا الحكم في القانون الجزائي الذي تبناه مجلس وزراء العدل العرب بالإجماع (المادة 163). واضيف بأن هذا القانون يسن على قطع يد السارق (المادة 153) ورجم الزاني (المادة 141). أنظر هذا القانون هنا http://carjj.org/node/237. فكل من جبهة النصرة الإرهابية ومجلس وزراء العدل العرب استقوا كلامهم من النبي محمد واعتمدوا على القرآن. يمكننا اذن ان نضع وزراء العدل العرب وجبهة النصرة في هذا الخصوص في نفس سلة المهملات.

 4) استنتج مما سبق بأن القول بأن الديانات السماوية كلها جاءت لصالح البشرية وأن الأنبياء جاؤوا لهدايتها، وأن الخطأ ليس فيهم بل في أتباعهم وفي التطبيق، هو بحد ذاته كلام غبي. فنحن نجد في هذه الديانات وعند هؤلاء الأنبياء الغث والسمين، وما هو حميد وما هو همجي.

 *********

 ما سبق يتعلق بالمضمون. دعونا الآن ننتقل إلى الشكل. قبل بث بعض الأفلام يتم التنبيه بأن هذا الفلم للبالغين فقط لأنه يتضمن فقرات جنسية أو عنيفة يجب ابعاد الأطفال عنها. ولا اظن ان احدا يطلب من مخرجي الأفلام أن يعملوا كل افلامهم على مستوى الأطفال. لقد القيت مؤخرا درسا من اربع ساعات في جامعة لوزان امام جامعيين يهود ومسيحيين ومسلمين بالغين من جنسيات مختلفة. وقد رأيت أن من واجبي تنبيههم بأن عليهم أن يتركوا حساسياتهم الدينية خارج القاعة، ومن لا يستطيع ذلك عليه أن يترك القاعة مع حساسياته.

بطبيعة الحال إذا كان الخطاب موجه للعامة أو قد يسمعه العامة، فإنه لا بد ان يكون مراعيا لمستوى العامة. فلا يمكنك ان تقول امامهم ما قد تقوله أمام المتخصصين أو المثقفين. ولكن أرى انه من الخطأ تبني نفس الخطاب في كل الأحوال، فتجعله كالماء دون طعم ولا رائحة ولا لون، لأن هذا استهتار بعقول الناس. والمشكلة تكمن في تحديد من يقرأ أو يستمع، وإلى أي مدى يتحمل المخاطب الكلام الصريح، وإلى أي مدى يجب مراعاة شعوره. ومن المعروف أن المتدينين بصورة عامة ضيقو الصدر ولا يتحملون أي نقد لديانتهم، أو كما يقال: “لا يعجبهم العجب ولا الصيام في رجب”، وارضاء جميع الناس، خاصة المتدينين منهم، غاية لا تدرك مهما اخذت من احتياط في خطابك. حتى وإن مشيت على أربعة فلن تعجبهم.

 انا اوجه ما اكتب في الحوار المتمدن وفي كتابي حول القرآن أو كتاب الختان للبالغين، واعتبر أن من واجبي الصراحة معهم حتى وإن اختلفت معهم. وفي كثير من الأوقات للكلمات الشديدة أثر اكبر من الكلمات الملسة. فأنت لا تستطيع تعليق معطف على حيط أملس، فلا بد من مسمار لتعليقه عليه. ونفس الأمر ينطبق على الأفكار. فالخطاب الأملس قليل ما يحفظه المستمع، فلا بد من ان يكون هناك بعض العبارات التي تشد انتباه القارئ والتي يصعب نسيانها. ومن تلك العبارات التي ألجأ إليها عبارة ابراهيم رجل مخبول، والقرآن كشكول من تأليف حاخام مسطول (شارب سطل خمر). وأنا في قولي هذا لا أجافي الحقيقة. فأنا مقتنع كل الاقتناع بأن ابراهيم كما تصفه لنا التوراة أو يصفه القرآن كان رجلا مخبولا في بعض تصرفاته، وأن القرآن نص مخربط خربطة لا مثيل لها تدل مصادره على أنه من تأليف حاخام مسطول.

Comments are closed.

Powered by WordPress. Designed by WooThemes

%d blogueurs aiment cette page :